حرب التجسس على الإنترنت

يورغ بلانك – و كالة الأنباء الألمانية – ­لم يعد الجواسيس يذهبون للبلد المطلوب التجسس عليها بأجسادهم وكاميراتهم متناهية الدقة، بل صاروا يعتمدون أكثر على الإنترنت، وكثيرا ما يأتون من الصين، حسب بيانات السلطات المعنية في ألمانيا، والتي تعتزم إنشاء مركز خاص لمكافحة التجسس يتم فيه تنسيق جهود جميع الجهات ذات الصلة.
لقد أصبح الخطر واقعا وتزايد حجمه بشكل تدريجي، حيث تتجسس دولة أجنبية على الشركات والسلطات في ألمانيا، ويتفحص جواسيس أسرار ألمانيا، حكومة واقتصادا.

مهمة سهلة
ومن غير المستبعد أن تكون البنية الأساسية لتوفير الدولة بالطاقة والماء هدفا للجواسيس، مما جعل الحكومة الألمانية تقرر إنشاء مركز قومي عام 2011 لصد التجسس لمكافحة شبكات التجسس بشكل أقوى.
لم يعد الأمر كما كان عليه قبل عدة سنوات عندما كان الجواسيس يتسللون لتصوير معلومات قيمة بكاميرات دقيقة غالية الثمن. وفي معرض تعليقه على ذلك، يقول المتحدث باسم الداخلية الألمانية شتيفان باريس: «كان الجاسوس قبل ثلاثين عاما يتسلل لمكان ما ومعه كاميرا، ثم يفتح حقيبة ما ويصور ثم يختفي ليشرب نخب انجازه». وهناك منذ عام 2003 على الأقل تقارير عن هجوم عبر الانترنت على السلطات أو الشركات العاملة في القطاع الاقتصادي في ألمانيا، وغالبا ما تكون هذه الهجمات الإلكترونية عبر البريد الالكتروني.

شبكة رصد
ترصد سلطات ألمانية منذ خمس سنوات مثل هذه الهجمات في البلاد. يتم رصد الهجمات الجاسوسية التي تستهدف السلطات الحكومية في ألمانيا عبر الإنترنت بشكل منهجي، وبالتعاون مع جهاز أمن الدولة، المخابرات الداخلية، والمكتب الاتحادي لأمن التقنية الحاسوبية. صار ذلك ممكنا في ظل وجود اتحاد برلين بون المعلوماتي، وهو شبكة رسمية لها مواقع معروفة المصدر.
كانت جهات حكومية وسلطات ألمانية هدفا للتجسس عبر الإنترنت خلال العامين الماضيين، فبينما لم يتجاوز عدد هذه الهجمات 900 عام 2009، فإنها بلغت في الفترة من يناير حتى سبتمبر 2010 نحو 1600، أغلبها من الصين حسبما تعتقد وزارة الداخلية. كانت دراسات أكدت قبل سنوات أن مصدر الكثير من هجمات التجسس التي تمت عبر الانترنت، كان الصين. يعتبر رجال المخابرات الألمانية الصين، الى جانب روسيا، فاعلا رئيسيا في التجسس الاقتصادي. وترجح دراسات علمية تكبد ألمانيا خسائر تقدر بما يتراوح بين 20 و50 مليار يورو سنويا بسبب التجسس الاقتصادي أو التجسس على الشركات المنافسة في ألمانيا.
كان وكيل وزارة الداخلية كلاوس ديتسر فريتشه رسم خلال أحد المنتديات الأمنية مطلع نهاية العام الماضي المعالم الرئيسية للتحديات الناجمة
عن التجسس، وقال إن هذا التجسس يكتسب أهمية متزايدة بالنسبة للهياكل المعلوماتية، وأن التجسس الإلكتروني يؤدي في الوقت ذاته إلى تزايد صعوبة حماية المعلومات التقنية الحساسة.
كما رأى فريتشه أن الهجمات في عالم المعلومات تزايدت خلال السنوات الماضية، وأصبحت أكثر تعقيدا.
وذكر فريتشه صراحة الهجمات التي تستخدم برنامج «ستوكس نت» الذي كشف عن أن منتجات قطاعات الصناعة نفسها عرضة للتضرر بسبب هذا البرنامج، وذلك بعد أن ساد الاعتقاد بأن هذه المنتجات منفصلة وبعيدة الخطر.

فيروسات جاسوسية
انتشرت تكهنات مفادها أن دودة «ستوكس نت» الإلكترونية ألحقت أضرارا جسيمة بالمنشآت النووية في إيران. وتصعب القدرات الواسعة لمعدي برامج التجسس مهمة المحققين، حيث ينجح أصحاب هذه البرامج الإجرامية في تطوير إصدارات جديدة من برامج التجسس «كل ثانية»، بحسب تقديرات الجهات المعنية، حيث تؤكد بيانات وزارة الداخلية في ألمانيا أن عدد المواقع الإلكترونية التي تصل إليها عدوى البرامج الضارة يصل إلى 40 ألف موقع، ثم تنتشر الفيروسات الضارة عبر هذه البرامج.
لذلك، فإن المهمة الرئيسية لمركز مكافحة التجسس ستكون تبادل خبراء مختلف السلطات المعلومات عن مواطن ضعف البرامج وأشكال الهجمات الالكترونية، وذلك بأسرع وقت ممكن، ثم إصدار توصيات للسلطات والشركات لتجنب مخاطر التجسس، وذلك بعد تحليل مصدر الخطر ومعرفته.
يدرك خبراء مكافحة التجسس من خلال خبرتهم بالتجسس الاقتصادي أن الصد الإلكتروني للتجسس يمكن أن يفشل لأتفه الأسباب، والتي تشمل انتقال عدوى الفيروسات الإلكترونية عبر وسائل نقل البيانات من جهاز لآخر مثل الأقراص الصلبة، والأقراص المدمجة، وذلك بدون اتصال الأجهزة المراد تلويثها بالإنترنت، مما يجعل الخبراء يلحون في توصية رجال الأعمال بالانتباه بشكل دائم بأجهزة الحاسوب المحمولة الخاصة بهم حتى لا تخضع فريسة للتجسس. بل إن هؤلاء الخبراء يحذرون، على سبيل المثال، من إيداع هذه الأجهزة في صناديق الأمانات في الفنادق.