هل نحن رهائن لدى شركات التكنولوجيا العملاقة؟؟‎

في فيلم “الريس عمر حرب” وقف الممثل خالد صالح في مشهد شهير قائلاً: ” هتروح على فين؟ العالم دة كله لي”، يمكن تعريف هذه المقولة تقنيا فيما يعرف بـ “الإيكو سيستم – Eco System ” ، وهناك من يراها واقعياً بسياسة الأحتكار، فهل هي كذلك؟!

الترجمة العادية لكلمة ” إيكو سيستم – Eco System” تعني البيئة المحيطة, وتشمل عناصر البيئة المتكاملة، من نهر وشجر وهواء وغيره من عناصر البيئة التي تؤثر بالإنسان ويتأثر هو بها، وتحيط به من كل الجهات، ظهر هذا المصطلح حديثاً مع هيمنة شركات التكنولوجيا ونمو جذورها وفروعها في حياة الناس, فأصبح هناك “بيئة محيطة” خاصة بشركة أبل، وأخر بقوقل، وسبقتهم بذلك مايكروسوفت, لكنها لم تكن بهذه القوة والهيمنة، في أبل مثلاً لديك في المنزل “الماك” وفي العمل “ماك بوك” وفي جيبك “آيفون” وغرفة النوم بها “آيباد” على يدك ساعة أبل وفي أذنك “إيربود” وفي المطبخ المساعد “هوم بود”, فتجد نفسك شيئاً فشيئاً محاطا بشركة أبل, ولا تستطيع أن تستغني عنها بسهولة، شركة قوقل ليست أقل شأناً، فتحت خدمة البريد الإلكتروني “جي ميل” تندرج عشرات بل مئات الخدمات التي لا وقت لدينا لكتابتها ولا وقت لديك عزيزي القارئ لقراءتها، تبدأ بالبريد، مروراً بالأندرويد وخدمات درايف وانتهاءً بيوتيوب، فلولا هذا الحساب لن تستطيع مشاركة فيديوهاتك على منصة اليوتيوب، ولا حفظ صورك على مخزن قوقل.
هذه الشركات استفادت من خطأ شركة مايكروسوفت سابقاً حينما أتاحت نظام تشغيلها ويندوز بانتشار واسع وصل حد الهيمنة، لكن مايكروسوفت نسيت شيئاً مهماً، ألا وهو “نسج الخيوط” والتي سوف تصطاد بها الناس للبقاء مرتبطين بها، فلم تنسج مايكروسوفت شبكتها حول وعلى المستخدم, ولم تقدم له شبكة خدمات على الأقل تحيط به, وتجعل من الصعب جدا ان يتركها ويستغني عنها، وهنا تركت ثغرة للشركات الأخرى ليأخذوا الفائدة على حسابها، وذلك عندما قاموا بتطوير أنظمة تشغيل أخرى تسبق نظام “ويندوز” ببعض المزايا، وتجذب المستخدمين إليها، فمثلا شركة قوقل أنشأت بعض الخدمات وفرضتها على المستخدم, مستفيدة بذلك من مقولة “ستيف جوبز” رئيس ومؤسس شركة أبل حينما قال ” نحن من نبتكر ونقنع المستخدم بما نراه ونفعله, فنخترع الجهاز ونطرحه في السوق ونجعل الناس تحب المنتج, وليس العكس” , ففعل ذلك بطريقة تجعل الحياة سهلة علينا، فتم جذب المستخدم خطوة خطوة إلى عالم لا نستطيع الخروج منه بسهولة، ولا ينكر أحد أن أجهزة أمازون وقوقل وأبل بهذا التكامل الشبكي قد سهلت الحياة علينا، وقربت المسافات واختصرت الوقت, لكن لذلك سلبيات لا يمكن إنكارها, أقلها أنها جمعت البيض في سلة واحدة، فتخيل عزيزي القارئ أن لك عشر سنوات من العمل والمستندات وجهات الإتصال والأرشيف الضخم على خدمات قوقل، ثم تعرض حسابك على “جي ميل” للإختراق أو السرقة ، ستكون الكارثة كمن فقد ثروة العمر في ضربة واحدة في السوق في أقل من لحظات.
هل هذا احتكار؟
هل كل ما ذكرنا من صيد المستخدمين وربط حياتهم بالمنتجات الخاصة بالشركات هو احتكار تم إضافة عليه بعض التجميل من أجل أن يُسمى بـ “إيكو سيستم – Eco System”؟
“سانغيت شودري” الكاتب والمحلل في مجلة “نوليج” يقول: إن المنصات العملاقة مثل قوقل وأبل وأمازون جعلت المستخدم يشعر بالراحة مع هذه الخدمات التي تم تقديمها له بجودة عالية وسهولة, لكنها وضعتها في موقف احتكاري ومنعت أي دخيل من دخول هذا السوق, من ما جعل بيانات المستخدم سلعة تُباع وتشترى، وهذا لا ينفيه أحد, كما أن الشركات المتوسطة والصغيرة أصبحت رهينة الشركات العملاقة بكل شروطها وبنودها القاسية أحياناً, فلا وصول للمستخدمين دون هذه الموافقة على الشروط، فمثلاً شركة قوقل حين عرض الإعلانات تختار من يدفع أكثر على طريقة المزاد, وأمازون تختار الباعة الذين يقدمون خدمات أكثر من بقية المنصات, وبالعودة إلى فيلم ” الريس عمر حرب” يقول الممثل خالد صالح مقولة تمثل واقع نظرة الشركات العملاقة صاحبة نظام البيئة المحيطة قائلاً: ” هم بيفتكروا انهم بيعملوا الي هم عوزينه، لكن في الحقيقة هم بيعملوا الي أنا عاوزه”.
ولعل المثال الأفضل على ذلك ما حدث في الأمس القريب مع شركة هواوي الصينية حينما وقعت في الأزمة ضد الولايات المتحدة، إضرت قوقل لحظر هواوي من خدماتها, وفي ليلة وضحاها، وجدت هواوي أوراقها مبعثرة، تحاول تدارك الموقف ولملمة الأزمة وتجاوز احتكار الشركات، أزمة هواوي لم تكمن في نظام التشغيل الخاص بغوغل “آندرويد” بقدر ما كانت في خدمات قوقل التي هيمنت على السوق, فعملية تطوير وطرح نظام تشغيل هو أمر ممكن, واقناع المطورين سيأتي مع مرور الوقت, لكن, ماذا لو قررت قوقل عدم دعم هذا النظام؟ كما رفضت سابقاً دعم نظام “ويندوز موبايل” التابع لشركة مايكروسوفت، عندها، هل ستقبل المستخدم حمل جهاز لا يدعم خدمات قوقل التي أصبحت جزءا أساسيا في حياتنا؟ الإجابة على هذا السؤال تحدد ما إذا كان نظام “ايكو سيستم – Eco System” عملية احتكارية أم لا ..
—————-
بقلم: طه ابوطه.